ألكسندر دوغين نجم صاعد في فلك الفلسفة الروسية الجديدة

ألكسندر دوغين نجم صاعد في فلك الفلسفة الروسية الجديدة

 ألكسندر دوغين هو سياسي و فيلسوف وباحث سياسي واجتماعي روسي ومؤسس للمذهب الاوراسي الجديد ويتجه نشاطه السياسي نحو استحداث إقامة دولة روسية عظمى عن طريق التكامل مع الجمهوريات السوفيتية السابقة  وبالدرجة الاولى الاقاليم التي ينطق اهاليها اللغة الروسية مثل القرم واوكرانيا الشرقية.

ولد دوغين عام 1962 في موسكو في عائلة جنرال في دائرة الاستخبارات العسكرية في هيئة الاركان العامة الروسية. ودرس في معهد موسكو للطيران. لكنه لم يكمل دراسته فيه لاسباب سياسية. ودافع فيما بعد عن اطروحة الفلسفة ليحوز على درجة الدكتوراه في الفلسفة ، كما دافع فيما بعد عن اطروحة العلوم السياسية لينال درجة دكتوراه الدولة في العلوم السياسية.

وكان يمارس في ثمانينات القرن الماضي نشاطا معارضا للسلطة السوفيتية وانخرط في بعض التنظيمات ذات الطابع القومي بما فيها جبهة " باميات" (الذاكرة)  التي ترأسها الناشط القومي دميتري فاسيليف.

الا ان انهيارالاتحاد السوفيتي غيّر موقفه من النظام السوفيتي والشيوعية بشكل جذري. وبدأ  يصف هزيمة الاتحاد السوفيتي في الحرب الباردة بانها انتصار لحضارة البحرعلى حضارة اليابسة من وجهة النظر الجيوسياسية، وعاد الى فلسفة البلشفة الوطنية والميتافيزيقية الشيوعية والمذهب الاوراسي.

وشارك دوغين في اكتوبر/تشرين الاول عام 1993 في الانتفاضة الشعبية ضد نظام يلتسين واصفا هزيمة البرلمان بانه مأساة شخصية له، الامر الذي حمله على تولي مبادرة تأسيس الحزب البلشفي القومي المعارض للرئيس بوريس يلتسين الذي كان يمارس آنذاك سياسة الموالاة لامريكا واتباع القيم الليبيرالية. وحينذاك أيده ادوارد ليمونوف الكاتب الطليعي والمنشق والسياسي المعارض المعروف . ومارس آنذاك مهام منظر الحزب الجديد ونشرعددا من المقالات التي اتصفت بالروح الشاعرية والميتافيزيقية القوية.

واوصل اهتمامه  بالمذهب الارثوذكسي القديم  الى الاقتناع بحقيقة التوحيد وضرورة النهوض بالتقاليد الارثوذكسية القديمة  في اطار الكنيسة الارثوذكسية الروسية المعاصرة.

وفي عام 1998 إنسحب من حزب ليمونوف لاسباب ايديولوجية واصبح مستشارا لرئيس مجلس الدوما الروسي آنذاك غينادي سيليزنيوف،  فتولى رئاسة مركز التجربة الجيوسياسية  ومجلس الامن القومي لدى رئيس مجلس الدوما. وبدأ دوغين في الوقت نفسه بإلقاء محاضرات  في الموضوع الجيوسياسي في هيئة الاركان العامة الروسية.

بعد تولي فلاديمير بوتين السلطة في روسيا  بدأت مرحلة جديدة في نشاط دوغين السياسي حين انتقل من معسكر المعارضة الراديكالية الى معسكر الموالاة للسلطة.

وفي مطلع الألفية كان دوغين يدافع عن أفكار النزعة الاوراسية المحافظة التي عرضها على السلطة بصفتها  قاعدة أيديولوجية للسلطة الروسية الجديدة. وتولى ادارة مذهب جديد، وهو مذهب الاوراسية الجديدة وألف  كتابا تحت عنوان " الطريق الاوراسي كفكر وطني".

ويرى دوغين ان النخبة السياسية هي بنية غير متجانسة تقودها شبكات التجسس الغربية التي تقاطع  المبادرات السياسية للقيادة السياسية العليا . وهو يصف الليبيراليين الغربيين والقوميين الراديكاليين بانهم  خصوم رئيسيون له وللدولة الروسية عموما.

ومع استقرار الوضع في روسيا عاد دوغين الى الممارسة العلمية حيث القى محاضرات في جامعة موسكو الحكومية  تحت عنوان"  مذاهب ما بعد الفلسفة" صدرت فيما بعد  في كتاب . وانتقد فيها المفاهيم الفلسفية الرئيسية  في اطار 3 تشكيلات تاريخية وهي:تشكيلة ما قبل الحداثة وتشكيلة الحداثة وتشكيلة ما بعد الحداثة.

وألقى دوغين في ديسمبر/كانون الاول عام 2007 محاضرة في موضوع "النظرية السياسية الرابعة" عارض فيها  3 نظريات رئيسية للقرن العشرين: وهي النظرية الليبيرالية والنظرية الشيوعية والنظرية الفاشية، وقال ان روسيا تسير وفقا للنظرية الرابعة.

 وقام في فبراير/شباط عام 2008  بنشر مجموعة من المقالات تحت عنوان  "مرحلة ما قبل الحداثة" أشار فيها الى ان فكر الحداثة الذي ولد في اوروبا الغربية لم يستطع الاستقرار على الارضية الروسية  حتى في اوساط النخب السياسية والاقتصادية والثقافية. فيما يعيش المجتمع الروسي بجملته مرحلة ما قبل الحداثة.

من جهة اخرى يرى دوغين ان روسيا مرت بمرحلتي الشيوعية والليبيرالية . ويتوجب عليها الآن الدخول في مرحلة جديدة تعتمد على رؤية سامية تعم الفضاء الاوراسي الواسع من شأنها تطبيق فكرة ميتافيزيائية مستحيلة تكمن في تحويل العالم على اسس اخلاقية جديدة وليس على قيم مادية استهلاكية برجوازية. ويجب القول ان هناك تطابقا بين تطلعات دوغين الفلسفية الاوراسية الميتافيزيقية والممارسة البراغماتية التي ينتهجها الرئيس بوتين بغية إنشاء الفضاء الاقتصادي الاوراسي والاتحاد الاوراسي الواسع الأبعاد الذي يضم كلا من روسيا وكازاخستان وبيلاروس وأوكرانيا.

وينتقد البعض دوغين ويتهمه باتباع مذهب فاشي . الا انه يرفض ذلك قائلا ان النظريات الشيوعية والفاشية والليبرالية قد فات أوانها في القرن العشرين. وروسيا تواجه الآن تحديات مرحلة جديدة او بالاحرى مرحلة الثورة الروسية الوطنية المحافظة التي تتصف بالجمع بين الاصالة والوفاء للتقاليد والاخلاق الوطنية من جهة والبرناج الاقتصادي اليساري الذي يقضي بالعدالة الاجتماعية والحد من فوضى السوق والتخلص من عبودية الفوائد وحظر المضاربة في البورصة والاحتكارات  وانتصار العمل النزيه على السعي الى كسب المال.

ويحظى الفكر الايديولوجي الذي يتبعه ألكسندر دوغين بدعم  بعض المسؤولين الحكوميين والاعلاميين، وبينهم إيفان ديميدوف المسؤول في الديوان الرئاسي وميخائيل شيفتشينكو وميخائيل ليونتيف  مقدما البرامج في القناتين الاولى والثانية للتلفزيون الحكومي وألكسندر سولونين عميد كلية الفلسفة في جامعة بطرسبورغ الحكومية الى جانب ألكسندر بروخانوف رئيس هيئة تحرير صحيفة "زافترا" الذي يصف دوغين بانه منظر روسي واعد  ونجم صاعد في فلك الفلسفة الروسية يجمع بين التقاليد الروسية ورؤى الحداثة الطليعية نظرا لان النزعة الاوراسية ستجند مستقبلا ألوفا وألوفا من الانصار الحاشدة. اما ألكسندر دوغين فهو برأيه  منظر بارز لهذه النزعة المستقبلية.

يتولى الكسندر دوغين ادارة القسم الدراسي الخاص بالعلوم الاجتماعية الدولية في جامعة موسكو الحكومية وهو بروفيسور ودكتور في العلوم السياسية.

ويجيد دوغين 8 لغات اجنبية.

إعداد يفغيني دياكونوف