الفيلسوف الروسي ألكسندر دوغين يُطلق من «البناء» دعوته لوعاء إسلامي حضاري جديد

 

الفيلسوف الروسي ألكسندر دوغين يُطلق من «البناء» دعوته لوعاء إسلامي حضاري جديد: 
التعدّدية القطبية نظريتي لكنها صارت واقعاً يعترف به الغرب ويخوض حروبه ضمنه

كتب ناصر قنديل


في حوار ممتع في كل قضايا الفلسفة والسياسة والنضال، بدأ الكسندر دوغين وصفه للبنان كمنصة فكرية إعلامية ثقافية لنضج الفلسفة، حيث يقع في قلب المنطقة التي ستحسم فيها خطوط الاشتباك بين معسكرَيْ المواجهة الدائرة، ومنه خرج نموذج حزب الله الذي لعب دور القوة الطلائعيّة في تقديم نموذج ومثال القدرة على الانتصار، وما يعنيه من ولادة زمن جديد لنظرية جديدة من المقاومة التي تشكل قوة الشعوب في الدفاع عن مخزونها المشترك، الذي تشترك فيه الفردية والوطنية والدين والكرامة والحقوق.

ألكسندر جيليفيتش «دوغين».. درس المدرسة الجيوسياسية وأدخل الجغرافيا السياسية في السياق الاقتصادي الروسي وعلم الاجتماع، حائز على الدكتوراه في العلوم الاجتماعية والسياسية الأنطولوجية، كان مقرّراً «مستحقاً» لعلاقات شيرو في جامعة موسكو الحكومية لمدة ست سنوات قبل أن يكون كاتباً ويبدأ بالتعامل مع الاستعدادات لملاقاة المتغيرات الدولية، لذلك لديه أكثر من 60 كتاباً في مناسبات مختلفة ومواضيع مختلفة، الجغرافيا السياسية، الدين، تاريخ الدين، السياسة والاعتذار السياسي، علم الاجتماع أو ثقافة التدويل، وأنهى مؤخراً 24 مجلداً عن منتجات وعمل الحضارات..

يقول دوغين: أنا كرّست نفسي لتقديم وخلق رؤية جديدة هي النظرة العالمية التي قد وضعتها كنظرية تشمل مواضيع متعددة وقد حظيت بدعم وزير الشؤون الخارجية السيد سيرغي لافروف وكذلك من الرئيس فلاديمير بوتين. وهذه النظرية متعددة الأدوار وقد بدأت منذ 10 سنوات لتطوير هذا النوع الجديد من النظرية السياسية وأنا أدعوها القوة السياسية القوة التي علقت العجز.. وهي نظرية اجتماعية جديدة غير تلك الليبرالية والفاشية والقومية وهي نظرية العالم المتعدّد الأقطاب والتي تتمحور حول توزيع القوة والسيطرة بين أكثر من دولتين بنفس التأثير العسكري والتقليدي والاقتصادي..

الليبراليّة انتهت كنظريّة قادرة على تفسير التاريخ وقيادته

وأوضح بأن هذه هي أول رؤية سياسية لما كانت عليه الليبرالية والتي كانت تقوم على السوق، لذلك ظهرت الديمقراطية الليبرالية في المرتبة الأولى أو كأول نظرية سياسية. وكانت النظرية الماركسية النظرية الثانية وكانت حاسمة، ولكنهم تشاركوا ليبرالية قاسية وكانت هي النظرية السياسية الثانية الحرجة والناقدة للمواطنين أو السؤال الذي كان حاسماً نحو القواسم المشتركة التي لم تكن ليبرالية بحيث كانت معاداة للشيوعية ومناهضة الليبرالية النظرية الثالثة سياسياً، لذلك أنا أعتبر أن في القرن قتالاً..

والولايات المتحدة في الداخل ضد تلك الأيديولوجية لحصر الأمر بثنائيتها مع الشيوعية في المواجهة. والشيء الأكثر أهمية أن الثانية تخدم سلسلة سياسية تنتمي إلى الليبرالية السياسية والسياسية الغربية نفسيهما. والشراكات الجادة وشراكات الأسلاف الروس مع الليبراليين معاً أصبحت بعد مرور 45 عاماً عدا ذلك كانت الحرب الباردة بين الأول والثاني، والآن لدينا المشكلة إذا انتهينا مع الليبرالية هناك الليبرالية مرة أخرى وتحوي العديد من العولمة المهيمنة بحيث الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، عناوين تظهر لنا كيف تريد الأحادية القطبية أن تكون ضدها. فما الأيديولوجية لمواجهتها وما الذي ينبغي لنا فعله؟

هذه الفكرة السياسية للرؤية الجديدة دوّنتها في كتاب النظرية السياسية لتحرير القوى العاملة ويتم نشرها في الولايات المتحدة باللغة الإنجليزية وبالفرنسية والكثير من اللغات الأخرى وللأسف العربية ليست بينها.

داعش آخر نسخة لليبراليّة المقاتلة

يضيف دوغين: من جنون السياسة الليبرالية ومخططاتها ظهور داعش. واسمحوا لي أن أقول إن الديمقراطية أو الملكية الفردية أو الدين والعلمانية هو خليط حرّ تماماً..

لذلك فكرة النظرية السياسية الرابعة هي أن تتجاوز الحداثة السياسية وراء ايفرست حتى نتمكّن من خلق نظرية سياسية ليست ضرورية على المبادئ الغربية الديمقراطية كحقوق الإنسان، وخلق أو بناء الملكية الفردية والدين والعلمانية هي خليط جميع ما سبق. ونحن أحرار فيه تماماً لخلق ذلك، شارحاً قصده بأن الحاجة ملحّة لنظرية ما تملأ هذا الفراغ وليس مطلوباً ادعاء امتلاكها، بل يكفي شرف المحاولة وفتح الباب، بحيث يمكننا أن نستخدمها جميعاً ويمكننا أن نعود إلى المنظرين السياسيين في النظريات الثلاث، ولكن على قدم المساواة علينا رفض الليبرالية التي سيتمّ تصنيفها على الفور على أنها شائعة مثل الضغط..

أنا تماماً عكس اتجاه النظرية السياسية أنا أتحدّى الليبرالية وأنا الأكثر شيوعاً في الأماكن غير الفاشية والتي تخلق لي مشكلة حقيقية، لأنها تمارس الرقابة علي كونها متقلبة لا تجاري الليبرالية. ويقولون مثلاً في الأمازون لا تبيع الكثير من كتبي ويقولون لأنك بحكم المنصب «فاشي». وأسأل صديقي الإيطالي الذي هو الناشر الفاشي أي مشكلة مع توزيع مذكرات هتلر يقول لا مشكلة لنشر مذكراته.. والظاهرة تخضع للرقابة؟!

وهناك استشعار آخر معادٍ لليبرالية السياسية. وهذا مهم جداً كالعقوبات الأميركية، ولكن من السهل أن تكون الحياة أفضل لكثير منّا على الإطلاق.. أعتقد أن العديد حصل على أوامر وإمكانية للوصول على عجل للدفاع عن سلسلة سياسية مختلفة، والأولى منها التغلب على الليبرالية المهيمنة وأنا لا أقول هيمنة الليبرالية. أنا أقول إنها مجرد إمكانية واحدة لعدم الهدوء والكفاءة ولا تتسامح مع أن الجميع باستثناء الليبراليين بدأوا في الردّ على التحدي الذي نواجهه. وهذا هو معنى كيفية أن تعطي عكس الليبرالية وجميع النظريات السابقة..

لا أدّعي امتلاك الأجوبة الجاهزة بل أفتح الباب للتفكير

أي تفتح الباب وتفعل ما تقوله للناس ليأتوا للمناقشة. وكيف تفعل ذلك بالضبط أعطي العلاقة وبطلانها والإدارة المشتركة، ولكن من الصعب على النقاد والأماكن تلقي وتقبّل ما أقول أو أنا لا أحبّ الليبرالية أنا لا أحبّ الخروج.. كذلك في فرنسا أنا شرحت لماذا الليبرالية هي الفشل؟ لماذا نرفضها؟ ولماذا يجب علينا أن نرفض الشيوعية والفاشية أيضاً؟

في الحقيقة، إنّ هذه النظرية التي تحدّثت عنها هي خطوة هامة جداً تكشف ما هو موضوع الثقافة الليبرالية وهدفها أو ما أسميه «نظرية الدواجن السياسية» والفردية التي تأتي ثانياً هي قائمة على عرق معين أو فئة معينة أو الدولة.. كل هذه المواضيع هي جزء خاص لذلك أرى شخصياً بأننا بحاجة إلى اقتراح شيء آخر.. فئة، جماعة أو سباق الأمة أو الدولة كل هذه المواضيع صحيح.. ونحن بحاجة إلى اقتراح شيء آخر عن ذلك..

نحن جميعاً تحت تأثير الإيمان. أعتقد أنك يجب أن تناقش إمكانية تعريف للعلاقة بيننا نعطي هذه العلاقة الاهتمام ما نجده من مشتركات حتى لو شيء فيه بعض رمزية كالدين والكرامة.. إن بعض الرمزية لها علاقة إدانة مع بعض الخسارة الشعبية.. نعم بالضبط إنها ليست أمة إنها ليست منظمة ليست هيئة إنها الناس وأنا أتوجّه للناس.

نظريتي عن الناس بديل للفرد والطبقة والعرق

الناس لا الأمة السياسية الوجودية لتعيش الأمة كما لها أن تعيش هنا، لأنه إذا كان بعض الناس تعريف أنفسهم، فلا تنطبق على كل الناس. وهو أصل أنها ليست بلدي الأمة أو الفئة السياسية إنما هي ذلك الفرد وهو أقل استخداماً لذلك هذا هو المهم. وهذا هو حق الشعوب على الرغم من حقوق الإنسان لأن الناس يتحدّون ثقافتنا اللغوية، الناس إنسانيتنا. الإنسانية ليست فردية أعتقد أنها شيء جماعي وليس فقط الشيء السياسي هو الثقافي هو تخزينها لما يشترك به الناس، ويحددون بموجبه قيمتهم الوجودية. وهذا هو موضوع القوة، نظرية سياسية تتخيل العدوان بشكل مختلف ولكنه منطلق من فهم الناس له، وهذا هو معنى لهم، ولكن على متن تاريخ عوالم متعددة، شيء من بدايات متعددة أن لدينا أحادية القطب على أساس الشرعية، هذا جوهر ثنائي القطب أحادي القطب العمل الإضافي.

ويقول دوغين: إن هذا التراكم المختلف والمتفاوت لبيئات الناس والشعوب هو أساس خلق القطبية المتعددة، واستحالة فوز القطبية الواحدة أو الثنائية القطبية، أو الثلاثية، إنه التعدّد.

لكن ما هو تعدّد الأقطاب، ومعادلة كيفية بناء هذه التعددية القطبية ينبغي أن تستند إلى منظمة ليس على حالة الهوية والدولة. منظمة مختلفة عما يطرح هناك مثل مشروع الدولة العالمية التي تختصر مفهوم أحادي القطب الغربي العالمي.

الحوض الأوراسي نموذج لتفاعل حضاريّ وجوديّ إنسانيّ حيّ

ويستطرد دوغين ليقول: من هنا انطلقت من كون الحضارة الأوراسية المختلفة، روسيا، الحضارة الصينية، في الحضارة الإسلامية أو من الحضارة العربية، الحضارة الأفريقية، أميركا اللاتينية، لذلك سيكون هناك تعدد أقطاب وليس الدولة العالمية. ولكن هذه التكامل يتمحور حول اعتبار على سبيل المثال، أوروبا كلها يمكن اعتبارها كقطب واحد وليس فرنسا أو ألمانيا فقط، وأنت تعرف لن يتم استثناءها، والصين كقطب واحد ليست فقط الصين ولكن تايوان وهونغ كونغ. كما أّن الصين تحتاج لدعم روسيا. والبعد الآخر هنا هو اليقين الذي يخلق عالماً جديداً تماماً متعدّد الأقطاب، لكن كيف هو، إنه مثل ولد ندرك أنه قد أدرك بالفعل نموّه تقريباً.. روسيا ردّت وتحاول الفرض على الهيمنة الغربية العالمية ودخول الصين من خلال حرب تجارية أيضاً. وهذه الحرب هي الحفرة الثانية والآن نحن ذاهبون إلى تقليل النفوذ الأميركي..

أميركا أولاً خير دليل على اعتراف الليبرالية بسقوطها كنظرية عالمية

والاعتراف بتراجع النفوذ الأميركي ظهر مع تصريحات ترامب بقوله إنه يريد أميركا أولاً. وسنجد في الغرب حكماً مجموعة من بعض المفكرين البديلين الذين سيدعمون المشروع لأنهم يستشعرون معرفة الأفكار العملية لأميركا أولاً، والتخلي عن حلف شمال الأطلسي في أوروبا، والخروج من الجزء الآخر من الحرب التي توصف بأنها باتت صراع قوى في هذه التعددية القطبية، هو اعتراف بهذه التعددية. وأنا أرى قليلاً من ذلك الآن، ولكن الشيء الأكثر أهمية هو الآن هناك هذا التحول من أحادية القطب إلى التعددية وينعكس ذلك على وجه التحديد في الشرق الأوسط، لذلك كنتَ تعيش في تلك اللحظة التاريخية في الفضاء التاريخي، لأن هذا هو في سورية وفي اليمن وفي مصر، حتى هنا في الصراع بين «إسرائيل» وفلسطين حيث ينعكس هذا التحول وينعكس ذلك في المملكة العربية السعودية، ودخول روسيا إلى سورية وجعلها آمنة بقدر ما هي في وضع صاروخي نحو النصر الذي بلغ نقطة اللاعودة.

المدى الإسلامي يتسع لمبادرات لتشكيل وعاء جديد

لذلك أعتقد أن الشيعيّة في أي معنى من ذلك.. أولاً وقبل كل شيء أنا دون قيد أو شرط أرثوذكسي الثقافة والهوية، وربما يكون الحصول على الخصومة الأميركية ليس سهلاً على الإطلاق، ولكن أنا حصلت عليه. وبالنسبة لي هذا هو أمر رمزي، لذلك أنا أعشق الخميني، لأننا نلتقي على الأرضية القتالية ذاتها، وأعتقد أنه آن الأوان لإعادة خلق الإسلام السياسي بحيث يعني رسائل لتنظيم وعاء الإسلامية.

ويشرح دوغين نظرته للمدى الإسلامي، فيقول: هناك حلّ واحد فقط سواء كان سيكون هناك وعاء الإسلامية أو أنها ستكون منطقة الأميركيين المتاحة كما هي الحال مع الحضارة الصينية، وهذه هي الجغرافيا السياسية المنطقية.. لذلك أعتقد أننا بحاجة إلى إعداد ملف في الإسلام السياسي بطريقة أو بأخرى..

أعتقد أن هذا هو المكان الذي يحلّ فيه ذلك بعد فشل هذه النسخة الصلبة التي مثلتها داعش من التراجع نحو الإسلام على أساس الحق. الآن نحن بحاجة إلى إعطاء النسخة الجديدة الممزوجة بالتقاليد الصوفية وأعتقد أن سورية يجب أن تقود هذا العالم الإسلامي السياسي…

أعتقد أن بقعة هذه الامبراطورية سورية أو هو مصر، العراق. ربما تركيا بنسخة معدلة عن مشروعها الإسلامي في ظلال الأميركي، وربما سيكون هناك تكوين على شيء من هذا القبيل، ولكن هذا سيكون الفضاء السني حيث العديد من العيّنات متعددة الأقطاب وأقرب مثال هي السنة حيث ليست القضية هي العدد بل الرمز، فلدينا ملايين عدة من اندونيسيا مثلاً، لكن بالمقابل الشام بالنسبة للإسلام يصير أمة في سورية..

لذلك فكرتي هي أنني لا أصرّ على السياق المتزامن ولكن ما أقترح هو إطلاق هذا النقاش، والتشارك في البحث عن الأجوبة. فالفلسفة هي الأسئلة الصحيحة، قبل أن تكون الأجوبة الصحيحة.

 al-binaa.com