القومية ، خيال اجرامي وطريق ايديولوجي مسدود

إِنَّ النظريةَ السياسيَّة الرَّابِعة، مبنيةٌ على فكرةٍ أساسية وتأصيلية، تَتَمثل في تعددية الحضارات والثقافات، والتي تكون بذاتها فكرة عالم متعدد الأقطاب كتاريخ وبيان لواقع حال الحاضر، وكمشروع للمستقبل، وهذا يعني أَنَّ الحضارة الغربية، أو بعبارة أكثرُ دقة، الحضارة الغربية الحديثة التي تطورت في ظل الفترات الحداثية، ليست إلا واحدة من عدة حضارات، وخارج حدودها قد وجدت حضارات أخرى، وبالضرورة سيكون هناك حضارات أخرى ستوجد على أساس مبادئ اصلية لحضارات أخرى.
وهذهِ الحضارات هِيَ:
1. الحَضَارةُ الروسية (الأورثوذكسية - الأوراسية) وابتدأت بها لأني منها
2. الحَضَارةُ الصينية (الموحدة حاليا، والتي تمتلك تجليا سياسيا رسميا)
3. الحَضَارةُ الإسلامية (المتعددة قطبيا وذات الاتجاهات التَعَدُديَّةُ ذاتيًا)
4. الحَضَارةُ الهندية (التي لم تتجلى وتعمل على أَنَّها قطب مستقل لحد هذه اللحظة)
5. الحَضَارةُ الأمريكية اللاتينية (التي هي في طور التكوين والتصيير)
5.الحضارة الافريقية (ذات القابلية الكبيرة الممثلة بمشروع الوحدة الافريقية)
6. إضافةً إلى الحضارة الغربية بذاتها، التي تتكون من قسمين يمكن التميز بينهما:
أ. الإنجلو-ساكسونية: (الولايات المتحدة وإنجلترا وأستراليا وكندا)
ب. الأوروبية القارية: (الفرانكو-جرمانية بالشكل الأساس)
وفي نفس الوقت تقدم الحضارة الغربية نفسها على أنَّها كونية ومميزة، وتعادل بين قيمها ومواقفها مع تلك التي عند كل البشر الآخرين، هذه عنصرية غربية عميقة (مركزية عرقية)، وكانت هذه المركزية العنصرية تمثل الأساسات الأولية للاستعمار، وكذلك بالنسبة للعولمة ولكن بشكل مُبطن أكثر.

الطَّبٍيعةُ العُنصُرِيَّةُ لِلأُحَادِيَّةِ القُطبية: السيطرة الغربية و عوامل التأثير والنفوذ

على الصَّعيدِ الجيوسياسي والجيو-استراتيجي، تَتَجلى العنصرية الغربية ممثلة بواسطة نموذج أُحادي قطبي، وإن سيطرة (أمريكا – الناتو) على الإنسانية تكون على أساس هيمنة طيفية كاملة (عسكريًا – اقتصاديًا – دبلوماسيًا – معلوماتيًا – ثقافيًا)، وإِنَّ كل شخص ودولة يستطيع ان يتفق مع ادعاء الغرب حول أَنَّه يُمثِّل الكونية (وهذا يعني الأُحادِيَّةَ القطبية)، وقد لا يتفق معه ويرفضه، وإِنَّ الخيار ما بين التعددية أو الأحادية القطبية متاحٌ بعطاءٍ، وَهو دوما مفتوح.
كل روسي وَصيني وَمسلمٍ وَهندي وأفريقي أو أمريكي لاتيني يستطيع أن يستشعر هيمنة الغرب، وقد يستطيع أن يحزم على قول "لا!" لها، مُقسِماً على الوقوف مع هويته الحضارية، فإذن، كل شيء يتوقف على الموقف الذي نتخذهُ، إنْ كنا سنقبل بكونية الغرب وهيمنته الاستراتيجية والاقتصادية، سنكون بالمحصلة عوامِلَ نفوذٍ للناتو، وإِنْ رفضنا، فهذا يعني بِأَنَّنا نشهد انفجار هيمنته العالمية، وهذا يجعلنا بالتالي في صراعٍ مع الغربِ والناتو وكلُّ من يقول "نعم للغرب!".
اليوم، تخوضُ روسيا عمليةً عسكريةً ضد الغرب وهيمنتهِ، لقد دخلنا معه في صراعٍ مباشرٍ، هذا يعني أَنَّ روسيا هي منفصلةٌ كحضارةٍ وقوة نوويةٍ وترفض الهيمنةَ الغربيةَ وادعائه بالكونية.
لقد ترددت روسيا قبل ان تقول "لا!"، لا تمثل رفضاً بشكل جذري كُلي، وبشكل طبيعي سيرد الغرب العنصري العولمي على روسيا بنفس الطريقة، هو يخوض حربًا ضروسا ضدنا عبر الوكالة، وبمساعدة النازيين الجدد، لقد ترعرع النظام القابع في أوكرانيا الآن.

والان هنالك صدام عسكريٌ بين عالمين، المتعدد قطبيًا  والأُحادي قطبيًا، هذا صراع حضاراتٍ، حضارات بالجملة وبشكل شَمَّال، وليسَ صراع "حضارة ضد البراربرة" كما يُحاول الغرب ان يُصدر تصوراً عنه بانه كذلك بالدعاية الإعلامية!
بما أَنَّ الحرب (مع الغرب وليست مع أوكرانيا) هي تحصى فعليا، بالتالي فَإِنَّ اللحظة هذه هي التي يجب أن نعادي فيها الغرب بواسطة هياكلنا وتراكيبنا ونظرياتنا وأفكارنا ونماذجنا ومعارفنا وقيمنا ومبادئنا الحضارية، ويجب أن يتم اعتبار القيم الغربية نسبية او اهمالها ورفضها كليا!
والخيار الأول يعني أن نقول لمن يعتقد بها "هي تعجبك، جيد، هي لك ولكنها محصورة فيك، فهي ليست كونية"
وأما بالنسبة للتخلص والإهمال الرافض، فَإنَّ كل شيء واضح كليا، وفي المقابل، في كل الحالات، إِنَّ الموافقة على شيء يخصك تمثل ضرورة اصيلة وكاملة.

الهَيمَنَةُ فِي العُلومِ السِّيَاسِيَّةِ
مثلما إِنَّ الكثير من مؤسسات الإعلام والمنظماتِ العَامَّةِ مطلوب أن يتم صبغها بشكل تبين فيه نفيا كونها "عميلًا أجنبيًا"، فَإِنَّ الأمرَ نفسه موجود مع النظريات السياسية، الليبرالية والشيوعية والقومية بالخصوص بالنسبة لنا، يمثلون النُسَخ الأساسية السياسية والأيديولوجية من الحداثة الغربية، كل الأيديولوجيات الثلاث الكلاسيكية أعلاه، تم تشكيلها بالخصوص وكليا في الغرب وتتطابق مع الهوية والتجارب التاريخية الغربية، وفي المجتمعات والحضارات الغير غربية، دخلت هذه الأيديولوجيات الثلاث في ضمن إطار منهجية الاستعمار الثقافي.
اليوم يتم التعامل معهم على أنَّهم كونيون، بالتالي فَإنَّها قابلة للتطبيق في كل شعب وبلد، ولكن في حقيقة الامر فَإنَّنا نتحدث عن المنتجات المفهومية والنظرية لجزء واحد من البشرية، وهو الحضارة الغربية الحديثة، وفي كل المجتمعات الغير غربية يجري هنالك استعراض لليبرالية (والتي تمثل المسيطر اليوم، بالتالي الأكثر خطورة)، في الشيوعية والقومية يجب ان يبتدأ أي خطاب حولهم بتحذير: انتبه، نحن نتعامل مع محتوى امپريالي-استعماري سام!
وهكذا، فَإنَّ داعمي الليبرالية والشيوعية والقومية خارج الغرب هم عملاء بوعي حاضر أو معدوم تجاه عمالتهم، إلا في حالةِ أَنَّهم اخضعوا هذه النظريات ليس فقط للنقد، بل كذلك للمقارنة مع تعاليمهم ونظرياتهم المحلية بشكل مبني على أساس مبتدئات حضارتهم، وهذا نادرا ما يحدُث، ويتم كتم عملية المقارنة كقاعدة ولا تطبق.
الاتصاف والانتساب لليبرالية والشيوعية أو القومية خارج الغرب يُماثل عمالة التأثير، متعامل خائن ومنضوي ضمن الطابور الخامس، هذا هو استنتاج عام نابع من التعددية القطبية والاعتراف بتعددية الحضارات إضافة إلى الأساس التأصيلي للنظرية السياسية الرابعة، وجاء الاستنتاج هذا مبنيا على رفض فرضية ادعاء اتصاف الليبرالية والشيوعية والقومية بالكونية.
إِنَّ العلوم السياسية الغربية هي منتج من منتجات الرأسمالية، وعلاوة على ذلك، يجب أن نضيف نقطة أنَّنا نتعامل مع العلم السياسي الخاص بالغرب "الحديث"، الذي تكون وأخذَ شكله في الفترة التي كسر الغرب ارتباطه فيها مع إرثهِ القديم وارق عصوره الوسطى، بالتحديد وبشكل أدق، حين كسر ارتباطه بالمسيحية بالشكل الأساس.
ثلاثُ نظرياتٍ سياسيةٍ أصبحت الأساس للعلم السياسي الغربي مرافقة للنظام البرجوازي:
1. الليبرالية مبدئيا أعلنت تبشيريًا بِالفردانيةِ البرجوازيةِ والمجتمع المدني على مقياس كوكبي (أي أن يكونَ شمالا لكل الكوكب)
2. القومية بنفس إطار المواطنةِ والفردانية ولكن في ضمن أُطُر مقياس الدولةِ البرجوازيةِ.
3. والشيوعيةُ التي تَقَبَّلتِ الرأسمالية على أنها مرحلة حتمية من مراحل التطور البشري (أطروحة عنصرية وذات مركزية أوروبية)، وادعت تجاوز النظام البرجوازي (الذي قُدِّر أن يكون عالميًا أولا)، لكنها وضعت إيمانًا بالتطورِ والتَّقَدُم التقني، لكن بواسطة جماهيرية ديموقراطية ومفتاح طبقي أخلاقي يفضي إلى (التحرر) من الدين والعائلة والتقاليد الخ، وَلأِنها قد انتصرت في مجتمعات غير غربية (على نقيض تصور ماركس الذي كان يعتقد باستحالة ذلك) فلقد تغيرت الشيوعية بشكل نوعي في (روسيا، الصين، الخ)، ولكن دون تكيفات في ذات النظرية وكينونتها ، فبقيت كجزء من العلم السياسي ذو المركزية الأوروبية.
القوميةُ كَمُضادٍّ لِلتَقلِيديَّةِ
الآن، سنكون أكثرَ دقة في القومية، القومية هي ظاهرة "فينومينية" ظاهرة للعيان ،  نظام رأسمالي-برجوازي، فهي ظهرت في الغرب كرفضٍ لطريقةِ الحياة في العُصورِ الوسطى، رفضٌ للدين، لكنيسة أوروبية واحدة، لإمبراطورية معينة، ولمنظمةِ طبقةِ مجتمعٍ معينة.
وإن القومية الأوروبية هي بنفس البُنية الاصطناعية وبنفس الغرضية الموجودة عند نسخ أخرى من الأيديولوجيات الغربية، القومية هذه ليست بديلًا للحداثة الرأسمالية، إِنَّها منتج مباشر منها.
بكل تأكيدٍ، أَنِّ الليبرالية تتطابقُ مع النظام الرأسمالي بشكل متوافق كليا، وكانت أساسا قد صُوِّرت وخُيِّلتْ على أَنَّها عولمة لنشر أَعرافِ ومواقف النظام البرجوازي لكل البشرية، وعلى شكل صدفةٍ، كان هذا الأمر مفهوما بالنسبة للماركسيين بشكل جيد ،
وعلى الجهةِ الأخرى، فَإِنَّ القوميةَ كانت مرحلةً متوسطةً وضروريةً لتدميرِ المؤسسات ذات الميول الأوروبية مِنَ القرونِ الوسطى (الكاثوليكية -الإمبراطورية – التنظيم الطبقي للمجتمع) إضافةً لهذا، توفير شيء آخر كمقابلٍ للحفاظِ المؤقت على الدولة (المسيطر عليها من قبل الاوليغارشية البرجوازية أصلًا)، وبشكل غير صادم ومتوقع، فَإِنَّ القومية ظهرت في البداية في بُلدان بروتستانتية، ابتداءً من هولندا وبريطانيا، ومن خلالهم نرى العلامات الثلاث الأساسية للرأسمالية (مناهضة الكنيسة، مناهضة الإمبراطورية، ومناهضة التراتبية) وإعادةُ توحيدٍ لروما، وكذلك معارضةٌ شرسةٌ لآل هابسبورغ، ونقل زمام المبادرةِ السياسيةِ والاقتصاديةِ من يد الأرستقراطية إلى يدِ طبقةٍ من التُجارِ المتمدنين.
إِنَّ الحَمَلَةَ الأساسيين للقومية كانوا هم الدوائر  والمجتمعات البرجوازية المعارضين للكاثوليكية ومعارضي الحوزة العقارية والأنظمة الإمبراطورية الأوروبية.
تاريخيًا، تطورت الرأسمالية في مراحلٍ متعددة، الأولى كانت على شكل القومية، ثم مرحلة الليبرالية العولمية، على الرغم من أَنَّ النظريات الليبرالية تشكلت في مرحلة مبكرة، وأن العولمة الخاصة بآدم سميث كانت مطابقة في ملامحها إلى واقع المساحات الخاصة بالعالم البريطاني الامبراطوري الاستعماري.
ومع نجاحاتِ النظام البرجوازي، ازدادت الرأسمالية ليبراليةً، وقلت قوميةً شيئا فشيئا، ولكن في قضايا عديدة، لم تختفي الأشكال القومية في أي مكان، وإِنَّ الدول البرجوازية القومية لا زالت موجودة وحية حتى يومنا هذا، وإِنَّ العولميين الليبراليين الحديثين يريدون تدميرها بأسرع وقت ممكن، وتحويل صلاحياتها إلى الحكومة العالمية، لكنهن (الحكومات) موجودات، وإن كانت هنالك ضرورة، فان النُخبويات الرأسمالية التي تتحكم ستستغلها.
مع ذلك، إنه لمن المنطقي أن نعتبر القومية ليبرالية (عولمية) متأخرة في إحدى فترات الرأسمالية المبكرة.
الأُمَّة هُنا هِيَ مُجتَمعٌ خَيالي
وَإِنَّ البنيةَ الصناعيةَ الهيكلية القوميَّة قد تم توصيفها بشكل جميل على لسان عالم الاجتماع بينديكت انديرسون، لقد استعرض بشكل مقنعٍ في ما مفادهُ أَنَّ الأُمَّة هِيَ عكسُ الشعب والإثنيات، هي مفهومٌ سياسي وصناعي، مصنوع من قبل الايديولوجيين البرجوازيين لأجلِ سببيات نفعية، عندما كان الحفاظ عَلَى تماسكِ المجتمع ضروريا بعد أن رفض التقاليد والدين والطبقات والتراتبية الإمبراطورية، انديرسون سمى كتابه (مجتمع خيالي)، وقد أَكَّدَ فيهِ عَلَى الطبيعة الوهمية للأُمَّة على انها مجردُ صنعٍ خيالي واعتباطي من قبل المثقفين، كخدمةٍ أيديولوجية للمصالح البرجوازيين.
أَدَّى بينديكت انديرسون بيانًا مُهِّمًا هو: أَنَّ القومية لا تتبع الأُمَّة على أَنَّها شكلها المتطرف، لكنَّها تسبق الأُمَّة، القومية أولًا ثم الامة بحد ذاتها.
كل أُمَّةٍ هي مُخترعة من قبل القوميين، القوميين يبدأون بِاختراعِ أصولٍ قديمةٍ (حضارات بائدة) لأجلِ شعوبٍ تاريخيَّةٍ معينة لا علاقة لهم بها، إِنَّ الدولة البرجوازية الحديثة تكون معلنة على أساس أَنَّها وريثةُ إمبراطوريةٍ عظيمةٍ، ثم يقوم القوميون بفرضِ لغةٍ اعتباطيةٍ على كافة سكانِ الدولة (غالبا تكون من بين اللهجات أساسا)، نمط ثقافي واحد ونظامٌ قَانوني مبنيٌّ على أساسٍ مدني فردي، مجموعة من المواطنين الفردانيين، الذين تم إجبارهم على الكلام بلغةٍ واحدةٍ، وتم اجبارهم على اعتبار أنفسهم على أَنَّهم أَحفادٌ خياليون لسَلف عظيم او خيالي، هذا ضروري للمجتمعات المهشمة والمجزئة لكي لا تنهار كليًا، وفي الوقتِ نفسهِ لاجل منعها من ان تكون دينية او ذات مؤسسات دينية وإمبراطورية أو أن تكون مجتمعا ريفيا، ولأجلِ توحيد هذه الكتل الغير متماسكة، هناك حاجة لعدو في وجه هذه القطع البشرية المتفرقة (أجزاء بدون كليات) لجعلها تشعر بنوعٍ من التضامن والفوقيةِ الغير مبرران.
في الوقتِ نفسهِ، إِنَّ كَلمةَ مواطن "citizen" مهمة، وأصلها اتٍ من كلمةِ مدينة "city"، وهذا هو نفسُ الأصل العلمي اللغوي لكلمةِ برجوازي المتفرعة من كلمة بـرج وتعني "مدينة"، القومية متمدنة، ظاهرةٌ حضرية، حيث يعيشُ النَّاسُ بشكل متناثر ونووي (إشارة الى صغر حجم النواة وقلة تماسكها)، على عكس المجتمعات الريفية.
هكذا هي القوميةُ، يتم تشكيلها أولا كنظريةٍ، ثم لاحقا كممارسةٍ، القومية تشكل قوالب الأُمَّة السياسية.
وَعَلَى هذا الأساس ومِن هنا قد تكون الشعور بعدم الانتماءِ العضوي وبالقبحِ، اللذان يرتبطان بشكل وثيق بالقومية، هذا مبني على الكذبِ والتزوير وتدمير الحياة العُضوية للشعوبِ وثقافاتِها ومجتمعاتِها.
العُنصُرِيَّةُ الوَظِيفيَّةُ
العنصريةُ هي الشِّكلُ النهائيُّ للقوميةِ، في هذهِ النسخة، تصل القومية إلى مرحلةٍ متطرفةٍ، أعضاءٌ من أُمَّةٍ وهميةٍ، التي يكون فيها عناصر ثقافية واثنية موجودةٌ بِالضرورةِ (ولكن هذا بالضبط ما يتم نفيهُ مِن قِبَلِ القوميةِ والعُنصُرِيَّة)، يدعونَ بِأَنَّهم ''العِرقُ الأَسمَى''.
(لا يُعلمُ بواسطة من، ذلك لان الدين أساسا يُعتبر بقايا)
الذي تم إعطائه حق ومشروعية غزو من هم اقل منه.
إِنَّ العُنصُرِيَّةَ كانت المُكَوِّنَ الأساسي في الاستعمار الأوروبي، الانجلو-سكسون بالدرجةِ الأولى وبالشكلِ الأساس، حيث أن حق إخضاع واستعباد قارات كاملة كان مبنيا على أساس "فوقية الرجل الأبيض العرقية".
في الإمبراطوريةِ التقليديةِ في العصورِ القديمةِ، أي شعبٍ قد وقع عليهِ الغزو كانَ يمتلك حالتهُ القانونية الخاصة، ولم يحدث أن أحدا قد قرر أن يستعبدهم ويعتبرهم أدنى منه.
إِنَّ العُنصُرِيَّةَ الأوروبية قد نمت في الأزمنة الحديثة، وكانت كذلك اختراعًا برجوازيًا، العرق هنا هو ظاهرة خيالية، حاله كحال الامة، لكنها هنا تؤكد على الخصائصِ البيولوجية، كما في حال الحيوانات، وكمثال تقريبي، مثل الحيوانات الأصيلة، إضافةً إلى المظهر المعتاد لهذا أو ذاك الشعب، نعم، أُقِرُّ بأهميةِ كل هذا، ولكن فكرةُ بناءُ البنية التراتبية الاجتماعية والاقتصادية على اختلافات بيولوجية هي محض سخرية.
ربما، إِنَّ مهارات وثقافاتُ الشُّعوبِ حقًا مختلفة، ولكنه اعتباطي، بل من المستحيل أن يتم بناء تراتبية بينهم على أساس فوقية نموذج أحدهما واعتباره قدوة، وهذه هي العنصرية: تعريف هوية ثقافة احدهم (لون بشرته ولغته وتاريخه وثقافته الخ. ) بالنسبة لنموذجٍ كوني، بالنسبة للبعض، الانجلو-سكسون بالخصوص. الذين قد جائوا بأولى النظريات العرقية الكاملة ، وقد خدمت العنصرية لديهم دورا تبريريا للهيمنة الاستعمارية والعبودية ، اذا على هذا الأساس ،و في حالات أخرى مثل حالة المانيا النازية ، تم استخدام العنصرية مثل ما حصل مع القومية ، ولكن بشكل اكثر تطرفا  لجمع المجتمع البرجوازي المنهار اثناء سقوط التقاليد الدينية والمؤسسات الاجتماعية والسياسية ، وان القومية المجردة لم تكن كافية لتوحيد الشقين المتباينين الغربي والجنوبي من المانيا مع بروسيا الپروتستانتية التي كانت مختلفة كليا عنهما في اطار امبراطورية خيالية واحدة ، وعلى هذا الأساس فان الحاجة للقومية المتطرفة كانت موجودة ، تمجيد العرق الاري (الذي تم حصره وتعريفه في اطار الالمان) ، وإعلان ان الشعوب الأخرى على انها غير بشر (مثل السلاف والغجر الهندو-اوروپيين) وكذلك الدفع باتجاه ابادتهم الجماعية الكلية ، ومرة أخرى ، فان هذا كان لاجل اهداف نفعية خالصة ، لاجل توحيد شيء مجزء الى ذرات بمساعدة التاريخ المزيف
لماذا ترفض النظرية السياسية الرابعة القومية ؟

النظرية السياسية الرابعة ترفض العنصرية واي شكل من اشكال القومية لانها مناهضة للتقاليد وذات بنية برجوازية غربية حداثية ، وان توظيف مفهوم ونظرية القومية لتفسير العمليات الاجتماعية والسياسية في المجتمعات الغير غربية وبالخصوص التقليدية هو جزء من استراتيجية الكونية تلك ، الاستعمارية جوهريا

هذا هو المكان الذي يكمن فيه ادعاء العنصرية ان الغرب وعلمه السياسي لهم الكلمة الفاصلة والأخيرة في تفسير كل العمليات الاجتماعية-السياسية في كل الشعوب ، ان اللحظة التي نتقبل فيها استخدام النظريات الثلاث (الشيوعية والليبرالية والقومية ، سنكون فيها مباشرة تحت السيطرة الأيديولوجية المباشرة للغرب .

ان النظرية السياسية الرابعة تتخالف بشدة مع المقدمات الأساسية للقومية التي تتمثل بحتمية تقطيع الهيكل العضوي للمجتمع الى ذرات ، و كذلك تختلف مع تفسير الحداثة والرأسمالية على انها مرحلة تطورية ضرورية بالنسبة للبشر
وكذلك ترفض الخط المنسوخ من تاريخ التطور الاجتماعي الغربي الذي يتكون من تصاعد في كمية الفردانية والراحة والتطور التقني ومع التشتت الوهمي للسلطة بين الكتل الذرية المجزئة والارتفاع الملحوظ في سيطرة الجماعات الاوليگارشية ومؤسساتها الاحتكارية ، وترفض النظرية السياسية الرابعة التفسير الاوروپي الحداثي للمواطنة

تختلف مع العلمانية الاجبارية (معاداة الدين جوهريا)

ومع تدمير العقارات وتدمير المجتمعات الريفية المتماسكة لاجل افساح المجال امام القطعان المتمدنة الوحدانية (البرجوازية والبروليتارية)

وبما ان هذه الظواهر تنتمي الى التاريخ الغربي ، فان النظرية السياسية الرابعة تعتبرها شيئا خاصا بالغرب وحده ، قضية محلية إقليمية خاصة به ، والحضارات الأخرى ليست ملزمة ان تمر بنفس هذه المرحلة بالضرورة التي تتمثل بالحداثة والراسمالية والعلمانية والتحول الصناعي والتمدن ، او قد لا تمر بها أصلا ، ولا الراسمالية ولا وجه مرحلتيها القومية والعنصرية يمثلون قانونا كونيا للتطور ، ويتوجب الإشارة الى ان السلاڤوفوليين واتباعهم سواء في الجناح اليميني او اليساري من مشهد الحياة السياسية الروسية في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين قد فكروا بطريقة مشابهة للنظرية السياسية الرابعة ، لقد رفضوا كونية الغرب ، وبالخصوص الغرب الحديث ، وان الدوائر الاورثذوكسية الملكية المحافظة قد سارت على نفس الخط ، وكذلك كان الامر بالنسبة للشعبويين الروس ، الاوراسيون قد رفضوا كونية الغرب بشكل اكثر وضوحا وجذرية اكثر من غيرهم.

بنية النازية الاوكرانية

ان هذه الملاحظات والاشارات النظرية تجعلنا قادرين بشكل افضل على فهم الحالة التي واجهت فيها روسيا الحديثة ظاهرة القومية بل وحتى ظاهرة النازية في حالة أوكرانيا بعد ان انفصلت عن الاتحاد السوڤييتي وبعد احداث المايدان في عام (2014) واثناء العملية العسكرية الخاصة ، حيث ان القومية الأوكرانية في اشكالها المتطرفة وجدت نفسها كالعدو الأيديولوجي والسياسي الرئيسي لروسيا

وهنا نستشعر الصفات الكلاسيكية للقومية :

التناشد والتقرب الى اسلاف خياليين (وصولا الى اختراع غبي يسمى الاوكران القُدامى )

تصوير وتخيل عدو معين ( روسيا بالشكل الأساس ، جيث ان الروس وروسيا تم اعتبارهم الإمبراطورية الوظيفية للعب دور العدو )

الادعاء بالتحلي بالفوقية والتفوق على الروس

فرض لغة معينة مصطنعة لأغراض سياسية خالصة

نظام اوليگارشي-برجوازي

التمدن المتسارع على حساب السكان الريفيين

كل هذه الأدوات الأيديولوجية موجهة لهدف واحد ، وهو خلق  امة غير موجودة لا تمتلك ادنى المتطلبات التاريخية التكوينية للامة ، ان القومية واشكالها العنصرية المتطرفة بالخصوص ، يشهدون بحقيقة ان الامة البرجوازية لم توجد بعد ، لكن لا يوجد هنالك شعب بعد الان ، ولا مجتمع تقليدي ، واننا نتعامل مع شعوب مختلفة الهويات وجدت نفسها بالصدفة في داخل محدوديات دولة سريعة الزوال فحسب

في عملية اغتراب يائسة مثل هذه ، تطلب الانشاء المتسرع ل (مربع) إجراءات غير اعتيادية ، لقد كانوا هم الذين قد اعادوا الحياة الى النازية الاوكرانية

هنا ، يأتي سؤال طبيعي ويطرح نفسه : كيف استطاع الغرب الذي يمر بمرحلة مختلفة تماما ، التي قاربت على انهاء الدول القومية واستبدالها بمؤسسات عالمية مع الليبرالية التي تبتغي تدمير حتى بقايا القومية ، من السماح بحالة حبسة اوكرانية كهذه ؟

هنالك اجابتان لهذه النقطة :

الأولى : لقد غض الغرب بصره عن الأوكرانية النازية بسبب مسارها الروسوفوبي الواضح ، فان روسيا تمتلك القابلية لان تكون قطبا مستقبل بذاته قادرا على وضع حد للهيمنة الغربية ، بينما أوكرانيا لا تمتلك هذه القابلية ولا تشكل أي خطر باي حال من الاحوال

ولقد نظر الغرب الى النازية الأوكرانية على انها ألم متنامي حتمي ، مرحلة حتمية قد مرت بها وتجاوزتها المجتمعات الغربية كما يظنون ، إن أوكرانيا منذ أن  دخلت في حقبة الراسمالية والاوليگارشية ، أصبحت مجبرة على ان تستند الى القومية  لكي تبني دولةً بأسرع ما يمكن تحت اطار ظروف صعبة جدا ، مع عدم وجود أي خبرة تكوينية وقدرة روسيا القطبية الحضارية على الجذب كبديل للاوكران عن الغرب

وكنتيجة ، فان الغرب دعم في أوكرانيا كل يحاربه في موطنه ، ما أدى الى محاولة أخرى لبناء الدولة الأوكرانية الفاشلة ، في البداية حصل ما حصل في القرم ودونباس ، والان وقعت العملية العسكرية الخاصة ، ولم تساعد النازية على الرغم من ان عواقبها هذه المرة كانت وحشية.

 

الأيديولوجيا الخاصة بروسيا الجديدة

وأخيرا ، فانه من المهم فهم ان روسيا التي تدعي انها تحارب النازية في أوكرانيا وتصر على تطهيرها من النازية ، تتصرف في الحقيقة من منطلق النظرية السياسية الرابعة ، ان عدم اعتماد موسكو على الليبرالية العولمية واضح  ، بل على العكس ، لقد دخلت في صراع مميت معها

ان الغرب الليبرالي وبشكل اكثر عمومية ، الراسمالية العالمية تحت حكم الاوليكارشية العالمية يمثلان العدو الأساسي لروسيا كقطب حضاري وثقافي ، ان الكفاح لاجل التعددية القطبية لا يمكن ان يُبنى على أساس الليبرالية ، هذه هي الأيديولوجيا الخاصة بالعدو ، إضافة روسيا الحديثة لا تمتلك شيئا مشتركا مع الشيوعية الا جزء من التاريخ الحديث نسبيا ، الشيوعية انهارت لانها خسرت حيويتها الداخلية أصلا ، روسيا والعالم الاوراسي ، التقاليد والدين والروح العامة المشتركة ، كل هذه العوامل لم تكن ضمن العقائدية الشيوعية ، ان الشيوعية القومية التي وجدت بحكم الامر الواقع لم تكن مستوعبة في الاذهان  ، ومن هنا بدأت التناقضات بين ماهية الاتحاد السوڤييتي الحقيقية وبين ما قد تصورته نخبه بشكل دوغمائي

لكن النظام السياسي الحديث في روسيا لا يمكن ان يتم تصنيفه على انه قومي كذلك ، الطريق هو روسي وليس أوكرانياً ، وهذا قد يمكن اعتباره تناقضا ، لان الكثير من الجماعات الاثنية والثقافات تشارك في تشكيل روسيا ، وقد تم دمجهم في الإمبراطورية بسهولة ، لكنهم لا يقبلون الترويس الصناعي ( ملاحظة مترجم : إشارة الى عملية تحويلهم الى روس ) وتحويلهم الى امة واحدة
وهذا يعني بان أيا من الأيديولوجيات السياسية الغربية الثلاث ليست موجودة في روسيا ولا يمكن ان توجد ، وعلى أي حال ، لا يوجد هنالك أيديولوجيا في روسيا الان أصلا .

ولكن مع هذا ، فان الكفاح اليوم هو ضد القومية كايديولوجيا بالتحديد ، ولكن من المستحيل ان تتم محاربة أيديولوجيا معينة دون أيديولوجيا ، لان هذه الحالة  تعني ان أحدا لن يستطيع ان يفهم او يشرح لماذا يوجد هذا الصراع أساسا ، وان الطريق الوحيد للخروج من هذا هو رفض الغرب وحضارته كشيء كوني ، والعودة الى جذورنا وتاريخنا ، الى نظرتنا الأساسية تجاه العالم ، الى تقاليدنا حيث ان كل السلاڤ الشرقيين(الروس والاوكران والبيلاروس) كانوا جزءاً منها ، لا يوجد هنالك نظام علم سياسي افضل من النظرية السياسية الرابعة ونسخها (الاوراسية والسلاڤوفولية والتقليدانية والمحافظة الخ ) ، وهي التي قد اثبتت انها الوحيدة القادرة على اثبات واستدامة صراعنا ضد النازية والليبرالية العالمية ، وليس أي شيء اخر ، وان الفراغ الأيديولوجي في ظروف كهذه ، قد يؤدي الى عواقب قاتلة .

تمت الترجمة بواسطة خالد وليد.

Hola