من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط - العالم على شفا حرب عالمية ثالثة

من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط - العالم على شفا حرب عالمية ثالثة

*اعداد وتعريب د. زياد الزبيدي بتصرف*

إن روسيا، باعتبارها قطب من عالم متعدد الأقطاب، تخوض حرباً مع الغرب الجماعي في أوكرانيا. العديد من الدول الإسلامية، تحت تأثير الدعاية الغربية، لم تفهم بوضوح أسباب هذه الحرب وأهدافها وطبيعتها، معتقدة أننا نتحدث عن صراع إقليمي (وهناك الكثير من هذه المشاكل في العالم الإسلامي نفسه). ولكن الآن، بعد أن أثرت العولمة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بشكل مباشر على كل المسلمين في العالم، فإن العملية العسكرية الروسية الخاصة سوف تكتسب معنى مختلفاً تماماً في نظرهم. ففي نهاية المطاف، هذا صراع بين عالم متعدد الأقطاب وعالم أحادي القطب، وهذا يعني أن هذا الصراع يدور ليس فقط لمصلحة روسيا كقطب، بل وأيضاً بشكل غير مباشر (أو حتى بشكل مباشر) لمصلحة جميع الأقطاب الجيوسياسية الناشئة. وهذا ما تفهمه الصين بشكل أفضل، ومن بين الدول الإسلامية - إيران. ومع ذلك، فإن الوعي الجيوسياسي واسع النطاق شهد مؤخرًا نموًا سريعًا في مجتمعات إسلامية أخرى – في المملكة العربية السعودية ومصر وتركيا وباكستان وإندونيسيا. ومن هنا تأتي محاولات التقريب بين السعودية وإيران، والسياسة السيادية لتركيا. وكلما أدرك العالم الإسلامي نفسه باعتباره قطباً وحضارة واحدة، كلما أصبح سلوك روسيا أكثر قابلية للفهم.
لقد أصبح بوتين بالفعل زعيماً يتمتع بشعبية كبيرة على مستوى العالم، وخاصة في الدول غير الغربية. والآن، في نظر العالم، تكتسب استراتيجيته معنى ومبررا واضحين تماما: فروسيا تقاتل بالفعل بكل قوتها ضد الأحادية القطبية، أي ضد العولمة والغرب الجماعي.
والآن فان الغرب، جنبا إلى جنب مع وكيله الإسرائيلي يهاجم العالم الإسلامي، ويخضع العرب الفلسطينيين للإبادة الجماعية، وهذا يعني أن لحظة الإسلام قد حانت. وفي هذه الحرب المحتملة بين المسلمين والهيمنة الغربية، والتي يمكن أن تندلع في أي لحظة (مع معرفة ان الإسرائيليين، ليس هناك شك في أنهم لا ينوون التوقف حتى يدمروا الفلسطينيين بالكامل؛ فالحرب بالفعل ذات أبعاد توراتية)، فالعالم الإسلامي لديه حلفاء موضوعيون. في هذا الوضع، أولاً وقبل كل شيء، روسيا والصين، التي عليها أن تحلا مشكلة تايوان.
ولكن من الواضح أن جبهات أخرى سوف تنفتح تدريجياً. فهل يؤدي هذا إلى حرب عالمية ثالثة؟ ربما نعم. وبمعنى ما، فهي جارية بالفعل.
لكي تصبح الحرب حربًا عالمية، من الضروري، أولاً وقبل كل شيء، أن تكون هناك كتلة حرجة من التناقضات المتراكمة التي لا يمكن حلها بأي طريقة أخرى غير عسكرية. تم استيفاء هذا الشرط. ولا ينوي الغرب التخلي طوعاً عن هيمنته. والأقطاب الجديدة – الحضارات المستقلة الصاعدة، والدول الكبيرة - لا توافق على التعايش مع هذه الهيمنة. علاوة على ذلك، تثبت الولايات المتحدة والغرب الجماعي عجزهم التام عن أن يكونوا قادة للإنسانية، دون القضاء على الصراعات والحروب الجديدة، بل التحريض عليها بسياساتهم. إذا لم يكن من الممكن تجنب الحرب، فلا يزال يتعين علينا الفوز بها.
فما هو الدور الذي يلعبه موقف دونالد ترامب في هذه المواجهة المتنامية بين الغرب والإسلام؟ إن بايدن مناصر للعولمة وملتزم بها، ومعادي بشدة لروسيا، ومؤيد بشدة للأحادية القطبية. وهذا على وجه التحديد ما يفسر دعمه المستمر لنظام النازيين الجدد في كييف وتبريره الكامل لإسرائيل - بما في ذلك الإبادة الجماعية الصريحة. أما موقف ترامب فهو أكثر تعقيدا. إنه قومي كلاسيكي، والأهم بالنسبة له هو مصالح أمريكا كدولة اولا، وليس الخطط العابرة للهيمنة على العالم. إن ترامب غير مبالٍ تجاه روسيا؛ فهو أكثر قلقاً بشأن المنافسة التجارية والاقتصادية مع الصين. لكنه في الوقت نفسه يقع بالكامل تحت تأثير اللوبي الصهيوني في أمريكا نفسها. ولذلك، في حرب الغرب القادمة مع الإسلام، لا ينبغي للمرء أن يتوقع الضعف من جانبه ومن جانب الجمهوريين بشكل عام. وفي هذا السياق، إذا كانت عودة ترامب إلى البيت الأبيض قد تؤدي إلى إضعاف الدعم لأوكرانيا (وهو أمر مهم للغاية بالنسبة لروسيا)، فإنه سيتبع سياسة صارمة إلى حد ما تجاه المسلمين وخاصة الفلسطينيين - وربما أكثر صرامة من سياسة بايدن. لذلك يجب أن نكون واقعيين ونعول على حرب جدية وصعبة وطويلة الأمد، ومن المهم أن ندرك أن هذا ليس صراعاً دينياً. إنها حرب الغرب المادي الملحد ضد كل الأديان التقليدية. وهذا يعني أنه من المحتمل أن يكون وقت المعركة النهائية قد حان. فهل يتصاعد هذا الصراع الوشيك إلى حرب نووية؟ لا يمكن استبعاد ذلك، وخاصة استخدام الأسلحة النووية التكتيكية.
من غير المرجح أن يستخدمها أولئك الذين يمتلكون أسلحة نووية استراتيجية (روسيا ودول الناتو) – فهذا سيكون بمثابة تدمير للبشرية جمعاء. ولكن بما أن إسرائيل وباكستان، وربما إيران، تمتلك أسلحة نووية تكتيكية، فلا يجوز لنا أن نستبعد استخدامها محلياً.
فكيف قد يكون شكل النظام العالمي في خضم هذه المواجهة الوشيكة؟
لا توجد إجابة جاهزة هنا. والشيء الوحيد المستبعد بالتأكيد هو إنشاء نظام عالمي قوي ومستقر وأحادي القطب، وهو النظام الذي يتمسك به أنصار العولمة بشدة. ولن يظل العالم أحادي القطب تحت أي ظرف من الظروف. إما أن يكون العالم متعدد الأقطاب أو لن يكون موجودا على الإطلاق. وكلما تزايد إصرار الغرب على الحفاظ على هيمنته، كلما اشتدت المعركة شراسة. ولكن التعددية القطبية لن تحدث من تلقاء نفسها. الآن هناك عملية إعادة تجميع هامة للعالم الإسلامي. وإذا تمكن المسلمون من التوحد أمام عدو شرس مشترك، فهذا يعني ظهور قطب إسلامي مكتمل الأركان. وإذا فشلوا فإن ذلك سوف يؤخر بداية التعددية القطبية. ويبدو أن كل قطب من الاقطاب لابد أن يثبت حقه في الوجود من خلال الصراع. ستصبح روسيا قطبًا كامل السيادة بعد فوزها في أوكرانيا. الصين - بعد أن تتمكن من حل مشكلة تايوان، والعالم الإسلامي - بالاصرار على إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية. وبعد ذلك سيأتي دور الهند وأميركا اللاتينية وأفريقيا، التي تواجه بشكل متزايد قوى الاستعمار الجديد في الغرب. سوف تضطر كل أقطاب العالم المتعدد الأقطاب إلى اجتياز امتحانها. وبعد ذلك سنعود جزئياً إلى النظام العالمي ما قبل كولومبوس، حيث تعايشت، بالإضافة إلى أوروبا الغربية، عدة إمبراطوريات - الصينية والهندية والروسية والعثمانية والفارسية. وكذلك الدول القوية المستقلة في جنوب آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. وحتى أوقيانوسيا كان لها أنظمتها السياسية والاجتماعية الخاصة، والتي ساوى المستعمرون والعنصريون الأوروبيون فيما بعد بينها وبين "الوحشية" و"البربرية". ولذلك، فإن التعددية القطبية ممكنة تماما. هكذا كانت الإنسانية قبل بداية السياسة الإمبريالية العالمية للغرب في العصر الحديث، وهذا لا يعني أن السلام سوف يستقر على هذا الكوكب على الفور. ولكن مثل هذا النظام العالمي المتعدد الأقطاب سوف يكون في كل الأحوال أكثر عدالة وتوازناً.

https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=814488